فصل: باب معرفة أصول الفرائض وأصحاب السهام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعاصم هذا هو الذي خاصمت فيه جدته لعمر بن الخطاب واسمها الشموس بنت أبي عامر خاصمته فيه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقضى لها بالحضانة وذلك في خلافة أبي بكر وعاصم يومئذ ابن أربع سنين وقيل ابن ثمان ولا يعرف له ابن اسمه عاصم غيره.
وأما أول موروث في الإسلام فعدي بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي ورثه النعمان وهو القائل لعل أمير المؤمنين يوءه تنادمنا بالجوسق المتقادم فعزله عمر من أجل هذا البيت.
وأما الجدة أم الأم فقد صح توريث رسول الله صلى الله عليه وسلم لها السدس فثبت لها ذلك بالنص وورث أبو بكر وعمر الجدة الأقوى وقالا أيكما خلت به فهو لها وإن اجتمعتما فهو بينكما فكان توريث الجدة أم الأب باجتهاد من الصديق رضي الله عنه مع موافقة الصحابة ولذلك يسقط حظ هذه الجدة إذا كانت أبعد من أم الأم فإن كانت أم الأم هي أبعد أو كانت أم الأب هي أقرب منها لم تحجبها لأن الجدة أم الأم ورثت بنص السنة الورادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أصلا فلم تحجبها الأخرى بحال والله أعلم والبعدى هي أم أم الأب وأم أم الأم وأما أم أبي الأب فلا ترث في قول أكثرهم.
وهذه رواية خارجة بن زيد عن أبيه وروى أهل العراق عن زيد خلاف هذا وسيأتي ذكره إن شاء الله.
وروي أيضا أن أول جدة ورثها النبي عليه السلام جدة وابنها حي وقال به طائفة من الصحابة هذا والتابعين وقد اختلف في صحة هذا الحديث وتأويله والله أعلم.

.فصل في بيان معنى «فلأولى رجل ذكر»:

وأما الحديث الصحيح الذي قدمناه وهو قوله عليه السلام ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر فهو أصل في الفرائض وقسم المواريث وتوريث العصبة الأدنى فالأدنى إلا أنه حديث فيه إشكال وتلقاه الناس أو أكثرهم على وجه لا تصح إضافته إلى النبي عليه السلام لأنه عليه السلام قد أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا وهو أخبر بهذا عن نفسه صلى الله عليه وسلم أعني قوله أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا أخرجه الدارقطني.
والذي تأوله عليه الناس أن قوله لأولى رجل ذكر أي أقرب الرجال من الميت وأقعدهم وأن قوله ذكر نعت لرجل.
وهذا التأويل لا يصح من ثلاثة أوجه:
أحدهما عدم الفائدة في وصف رجل بذكر إذ لا يتصور أن يكون رجل إلا وهو ذكر ويجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يتكلم بما هو حشو من الكلام ليس فيه فائدة ولا تحته فقه ولا يتعلق به حكم.
الوجه الثاني أنه لو كان كما تأولوه لنقص فقه الحديث ولم يكن فيه بيان لحكم الطفل الرضيع الذي هو ليس برجل وقد علم أن الميراث يجب للأقعد وإن كان ابن ساعة ولا يقال في عرف اللغة رجل إلا للبالغ فما فائدة تخصيصه بالبيان دون الصغير.
والوجه الثالث أن الحديث إنما ورد لبيان من يجب له الميراث من القرابة بعد أصحاب السهام فلو كان كما تأولوه لم يكن فيه بيان لقرابة الأم والتفرقة بينهم وبين قرابة الأب فبقي الحديث مجملا لا بفيد بيانا وإنما بعث عليه السلام ليبين للناس ما نزل إليهم.
وإذا ثبت هذا فلنذكر معنى الحديث ثم نعطف على موضع الإشكال منه وبيان الغلط فنبينه بعون الله فنقول:
قوله: «أولى رجل ذكر» يريد القريب الأقرب في النسب الذي قرابته من قبل رجل وصلب لا من قبل بطن ورحم فالأولى أولى الميت فهو مضاف إليه في المعنى دون اللفظ إضافة نسب وهو في اللفظ مضاف إلى السبب وهو الصلب وعبر عن الصلب بقوله أولى رجل لأن الصلب لا يكون ولدا ولاسيما حتى يكون رجلا.
وأفاد قوله: «أولى رجل» يريد القريب الأقرب نفي الميراث عن الأولى الذي هو من قبيل الأم كالخال لأن الخال أولى الميت ولاية بطن لا ولاية صلب.
وأفاد بقوله ذكر نفي الميراث عن النساء وإن يكن من الأولين بالميت من قبل صلب لأنهن إناث فذكر نعت لأولى ولما كان مخفوضا في اللفظ حسب أنه نعت لرجل.
ولو قلت من يرث هذا الميت بعد ذوي السهام لوجب أن يقال لك يرثه أولى رجل ذكر بالرفع لأنه نعت للفاعل.
ولو قلت من يعطى المال لقيل لك أعطه أولى رجل ذكرا بالنصب لأنه نعت لأولى.
فمن هنا دخل الإشكال.
ومن وجه آخر هو أن أولى على وزن أفعل وهذا إذا أريد به التفضيل كان بعض ما يضاف إليه فإذا قلت هو أحسن رجل فمعناه أحسن الرجال وكذلك إذا قلت أعلم إنسان فمعناه أعلم الناس فتوهم أن قوله أولى رجل أي أولى الرجال وليس الأمر كذلك وإنما هو أولى الميت بإضافة النسب وأولى صلب بإضافة السبب كما تقول أخوك أخو الرخاء لا أخو الشدة وهم أقربوك أقارب الطمع وإخوان الضرورة والناس يقولون هم إخواني ولكن إخوان الضحك وكذلك يقال هو مولاي مولى عتق فالأولى في الحديث كالمولى.
فإن قيل كيف يضاف إلى الواحد وليس بجزء منه.
قلت إذا كان معناه الأقرب في النسب جازت إضافته وإن لم يكن جزءا منه قال عليه السلام أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك فأدناك ولو أراد دنوا له لم يجز أن يقول أدناك كما لا تقول هو أفهمك ولا أعلمك وكذلك قول عمرو بن الأهتم عن الزبرقان هو مطاع أدنيه أي في قرابته وقول الشاعر:
وليس المال فاعلمه بمال ** وإن أنفقته إلا للذي

تنال به العلاء وتصطفيه ** لأقرب أقربيك وللقصي

فهذا جائز في الأدنى والأولى والأقرب إذا أردت به معنى النسب والقرابة قال الله تعالى: {من الذين استحق عليهم الأوليان} ولولا الأب والأم لأضاف فقال أولياؤه وإنما جاز هذا لمراعاة المعنى إذ معنى أولاك وأدناك كمعنى قريبك وأخيك ونسيبك ثم إذا أردت أن تبين كيف هو نسيبك أو قريبك قلت قرابة صلب لا قرباة بطن وكذلك تقول هو أولاك وهو أولى المرأة المتوفاة أولى رجل وهذه المرأة هي الوليا وجمعها الولييات والولى فإن بينت النسب قلت هي وليا الميت وليا رجل أي ولاية صلب وإن شئت قلت هي أولاه كما تقول في الذكر هو أولاه ثم تبين السبب فتقول هي أولى رجل أي قرابتها من قبل رجل.
فلولا قوله عليه السلام لورثت المرأة بهذه الولاية ولولا قوله أولى رجل لورث الخال لأنه ذكر فتأمل هذا التفسير والشواهد عليه وما يقتضيه لفظ الرسول عليه السلام إذا تؤول بهذا المعنى من السمانة والبلاغة والإيجاز مع كثرة المعاني تجد غيره من التأويلات ساقطا لأنه يخرج لفظ الرسول عليه السلام عن البلاغة إلى الكلام الغث واللفظ المسترث وحاشى له من ذلك ولو لم يكن في هذا المختصر إلا هذه الفائدة لكانت تنماوى وحله فالحمد لله الذي وفق إليها وأعان عليها بعد قرع طويل لبابها ومجاذبة للمغدف من حجابها ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له والحمد لله على ما فتح والحمد لله على ما شرح والحمد لله على ما منح حمدا كثيرا مباركا فيه.

.فصل فيما إذا عدم العصبة:

فهذا الحديث وما كان في معناه أصل في توريث العصبة من قبل الأب دون ذوي الأرحام وإنما استحقوا ذلك لأنهم ولاة دمة والذين يعقلون عنه ويغضبون له وبهم يكاثر الأعداء دون قرابة أمه لأن قرابة الأم دعوتهم إلى قوم آخرين وقول الله عز وجل: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} مخصوص بذوي السهام من القرابة خصصه الحديث المتقدم وقول النبي عليه السلام إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث فإذا عدم العصبة فما بقي بعد ذوي السهام فللمسلمين لأنهم يعقلون إذا عدم بنو العم.
وقالت طائفة من أهل العلم ذوو الأرحام أولى من بيت مال المسلمين لأنهم يدلون إليه بالإسلام وبالرحم وغيرهم من المسلمين إنما يدلي بسبب واحد وهو الدين ويحتجون أيضا بحديث معاذ وحديث المقدام المتقدم وهو قوله عليه السلام الخال وارث من لا وارث له وقد قال بهذا القول جماعة من العلماء والله حسبنا ونعم الوكيل.

.باب معرفة أصول الفرائض وأصحاب السهام:

أصحاب الفرائض:
السهام ستة نصف وثلث وثلثان وسدس وربع وثمن.
وأصحاب السهام عشرة أب وأم وجد وجدة وأخت شقيقة وأخت لأب وأخت لأم وبنت وبنت ابن وزوج وزوجة.
ومن أصحاب السهام من لا يرث أبدا إلا بالفرض ومنهم من يرث بالفرض تارة وبالتعصيب أخرى.
فالذي يرث بالفرض وبالتعصيب الأخوات إذا انفردن فهن من أهل السهام فإذا كان معهن إخوة ذكور فهن من العصبة وكذلك البنات وأما بنات الابن فهن مع البنت الواحدة أهل سهم وهو السدس تكملة الثلثين وهن مع البنتين لا شيء لهن إلا أن يكون معهن ذكر مثلهن في القعود أو أبعد منهن فهن معه عصبة للميت للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كان أقرب للميت منهم حجبهن فلم يرثن شيئا.
وممن يرث بالفرض والتعصيب أيضا الجد فإنه مع الأخوة عاصب ما لم يكثروا حتى ينقصوه من الثلث فإن كان ذلك فرض الثلث فريضة ويفرض له السدس مع البنين وإن كثر أصحاب السهام لم ينقصه من السدس وإن قلوا حتى يعدموا فالمال له بالفرض والتعصيب معا وكذلك الأب له السدس مع الولد وله ما بقي مع عدم الولد بالفرض والتعصيب معا.
وهذه مسألة اختلف في لفظها وفي التعبير عنها فلفظ ابن مسعود في امرأة تركت زوجها وأباها للزوج النصف وللأب السدس فريضة فما بقي فهو له يعني بالتعصيب ولفظ زيد بن ثابت للزوج النصف وما بقي للأب.
فظاهر الاختلاف أنه يؤول إلى معنى واحد وإنما هو اختلاف عبارة ومن العجب أن هذا الاختلاف اختلف فيه أهو اختلاف في معنى أو هو اختلاف في عبارة فهو اختلاف في اختلاف.
ومثل قول ابن مسعود قول فقهائنا فإنهم يقولون للأب السدس فريضة وما بقي فله بالتعصيب ومثل قول زيد قول أبي إسحاق الإسفراييني وبعض الشافعية فإنهم يقولون للأب ما بقي ويجعلونه عاصبا في الكل إذا لم يكن وارث غيره وغيرهم من الفقهاء يجعلونه إذا انفرد وارثا السدس بالفرض ولسائر المال بالتعصيب فكأن هذا اختلاف لفظ والمعنى واحد وكذلك قال بعض أئمتنا منهم أبو عمر رحمه الله.
وليس هو عندي إلا اختلاف بعيد معنى ويثير حكما وسنبين هذا الاختلاف وفائدته بعد الاحتجاج للقولين جميعا وتبيين أصل كل قول من الكتاب والسنة بعون الله تعالى.
أما قول من قال إن الأب برث الكل بالتعصيب وأنه لا فرض له إلا مع الولد فحجتهم دليل الخطاب ومفهومه وهو أصل عند الشافعية ولا يلتفت إليه الحنفي ولا الظاهري ومالك رحمه الله يقول به على تفصيل يطول ذكره وقد صرح بالقول به في موطئه في غير موضع.
ودليل الخطاب الذي تعلقوا به في هذه المسألة قوله تعالى: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد} فعلق حكم الفرض بوجود الولد وإذا تعلق الحكم بأخد الوصفين فهو منتف عند عدم الوصف فلا فرض له إذا عند عدم الولد وإنما هو عاصب.
الجواب عن هذا أنا إذا سلمنا لهم دليل الخطاب فلقائل أن يقول عنما يتعلق الحكم في القول بدليل الخطاب إذا كان أحد الوصفين منطوقا به والآخر مسكوتا عنه كقولك أعط زيدا إن كان ذا عيال فههنا نص ودليل أما النص فووب العطاء وأما الدليل فيقتضي النهي عن العطاء مع عدم العيال وعدم العيال مسكوت عنه ولكنه مفهوم الخطاب فأما ما كان منطوقا به فلا يكون مفهوم الخطاب كقولك أعط زيدا إن كان ذا عيال دينارا وإن لم يكن ذا عيال فأعطه نصف دينار فغير جائز دليل الخطاب هاهنا وقد علق بكل وصف حكما وكذلك الآية لأنه قال لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فهذا نص ثم عطف على المسكوت عنه بالبيان فقال فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فحكمه كذا وكذا فصار معنى الكلام إن كان له ولد فله السدس وإن لم يكن له ولد فليزد على السدس كما تزاد الأم سدسا آخر فيكون لها الثلث وإذا بطل التعليق بدليل الخطاب في الآية رجعنا على حديث ابن عباس الصحيح وهو قوله عليه السلام ألحقوا الفرائض بأهلها الحديث والأب من أصحاب الفرائض فتناوله عموم اللفظ والعموم أقوى من دليل الخطاب لأنه لفظي ولأنه مجمع عليه عند الفقهاء وآنما توقف فيه أهل الكلام لسبب ليس هذا موضع ذكره.
فإن قالوا ليس الأب من أهل الفرائض إلا مع وجود الولد فكيف يدخل في عموم قوله ألحقوا الفرائض بأهلها ونحن إنما كان كلامنا في الأب الذي ليس له ولد.
فالجواب أن الأب قد جعل من أهل الفرائض لقوله سبحانه: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس} فلما جعل مع وجود الولد من أهل الفرائض لم يخرج عن عموم اللفظ في قوله ألحقوا الفرائض بأهلها.